آراء وتحليلات

جبهة الشمال مع لبنان بعد مئة وخمسين يومًا من الطوفان
06/03/2024

جبهة الشمال مع لبنان بعد مئة وخمسين يومًا من الطوفان

إيهاب شوقي

عندما تحدث الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن الظلم الإعلامي للجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة، لم يكن الهدف هو نيل الجزاء أو الشكور، فقد عوّدتنا المقاومة على نكران الذات، وأنها تعمل من منطلقات إيمانية ومحركها هو الواجب الشرعي والأخلاقي، ووجودها حيث يجب أن تكون.

ولكن المنطلق لهذا الإفصاح عن الظلم، والذي لا يفهمه الكثيرون، هو الوعي بأهمية المقاومة وجدواها في تثبيت المعادلات وتوضيح أهمية الإسناد على مستويين.
الأول: المستوى الشعبي العام غير المتخصص في الأمور العسكرية، كي تصله رسالة جدوى المقاومة في تحجيم العدوان ووضع قيود على الفتك الكامل بغزّة وشعبها، وهي رسالة طمأنينة وتثبيت وقدوة حسنة للجماهير كي تقوم بدورها بقدر استطاعة كلّ فرد فيها.

الثاني: المستوى العسكري التخصصي، والذي يفهمه العدوّ والصديق من المتخصصين بشؤون الجبهة وتفاصيلها وكيفية تثبيت قواعد الاشتباك والتصعيد المدروس والموازي للتصعيد في غزّة، والتنسيق العملياتي بين جبهات المحور في اليمن ولبنان والعراق بتكليفات موزعة بشكل عملياتي يربك خطوط العدوّ، وكذلك بشكل سياسي يتعامل مع الجبهة الداخلية للعدو بإيصال رسائل للمستوطنين بأنّ لا أمان لهم طالما لا أمان لأهل غزّة.

ممّا لا شكّ فيه أن الظلم الأكبر للجبهة اللبنانية يأتي من المزايدين الذين يفترضون جهلًا أو عن سوء نية أن المقاومة تعمل في الفراغ من دون مراعاة الأبعاد الداخلية اللبنانية، وأنّها لا تتحمّل مسؤولية نفسها ومقاوميها فقط، بل تتحمّل مسؤولية شعب لبناني وسط ظروف داخلية معقّدة وظرف دولي ضاغط، وتتحرك بحكمة بالغة من دون تفريط في الثوابت ولا في العهد الذي قطعته على نفسها بخروج غزّة منتصرة، أيًا كانت الانزلاقات.

ولعلّ العدد الكبير من شهداء المقاومة في لبنان هو خير دليل على مصداقية الجبهة وجديتها في التعاطي مع المعركة الراهنة. هنا؛ المقاومة في لبنان تحمل مسؤولية مضاعفة، وهي مسؤولية عامة تختص بواجبها العام تجاه القضية الفلسطينية وتجاه محور المقاومة، ومسؤولية خاصة بحماية لبنان وتثبيت معادلات الاشتباك مع العدوّ ومراعاة الوضع الدولي والسياسي للدولة اللبنانية وحماية الجبهة الداخلية اللبنانية.

ممّا لا شكّ فيه أن العدوّ الإسرائيلي لن ينسى هذا الموقف الضاغط من المقاومة في لبنان، والذي أوقعه في حرج سياسي وعسكري بالغ وخاصة في الجبهة الداخلية الصهيونية وهي صاحبة المعيار الأكبر إن لم يكن المعيار الوحيد في حسابات أي حكومة صهيونية.

وهذا الأمر قد يخلق شكلًا جديدًا من المواجهات والمعادلات مع لبنان بعد أن تضع الحرب الراهنة أوزارها، وذلك إن لم تتطور الأمور إلى انزلاق واسع إذا ما أصر العدوّ على حماقاته واتجهت الأمور لمواجهة شاملة، وهو خيار أشبه بالانتحار لدى العدوّ، والذي سيفاجأ بأمور كبرى تعجّل بالزوال فعلًا وواقعًا لا شعار أو أمنيات.

ما يعني المقاومة في لبنان هو وصول الرسائل للعدو، وهي تصل يوميًّا وبمصداقية كبيرة وبتطوير وتصعيد نيراني لا يترك له فرصة لكسب موطئ قدم في المعادلات، كما تصل للراعي الأكبر للعدو وهو أميركا وأن لا ضغوط ولا تهديدات ولا اغراءات ستثني المقاومة عن دورها وتكليفها وواجبها.
وما يعني المقاومة هو ايمان رفقاء السلاح في المقاومة الفلسطينية وفي جبهات المحور كافة بأنها تؤدي دورها من دون تقصير.
وما يعني المقاومة أن تصل رسالتها لبيئتها المقاومة الشريفة وأنصارها من الأحرار والشرفاء، وأن تكون رسالة بالثبات والثقة في قدرات المقاومة وإرادة النصر والصمود وأن يحتذوا بها.

أما التقدير الإعلامي والثناء والاعتراف بما تقدمه، فهو لا يشغلها إلا بالقدر الذي يؤثر غيابه في معادلات الميدان ووضوح الصورة للجماهير بما يفت من عضدهم ويؤثر في سير المعارك، وهو ما كان فحوى وجوهر حديث سماحة السيد نصر الله عند تعاطيه مع هذا الظلم الإعلامي.

بعد مئة وخمسين يومًا من طوفان الأقصى، حزب الله وشركاؤه في المقاومة اللبنانية يخوضون حربًا حقيقية لها تعقيداتها ومخاطرها المضافة للمخاطر العامة على القضية، وهم وصامدون في مواجهاتهم بثقة تامة بنصر الله القريب.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات