آراء وتحليلات

العراق: الحكومات المحلية ومعطيات ما بعد الانتخابات المحلية
27/01/2024

العراق: الحكومات المحلية ومعطيات ما بعد الانتخابات المحلية

بغداد: عادل الجبوري

في الحادي والعشرين من شهر كانون الثاني - يناير الجاري، صادقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، على نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في الثامن عشر من الشهر الماضي، في كلّ محافظات البلاد ما عدا محافظات اقليم كردستان الثلاث، اربيل ودهوك والسليمانية.

وتشكل مصادقة المفوضية على نتائج الانتخابات خطوة أخرى في الطريق نحو تشكيل الحكومات المحلية الجديدة على ضوء مخرجات صناديق الاقتراع، بعد استكمال كلّ الإجراءات الفنية وحسم القضايا الاشكالية المرتبطة بالاعتراضات والطعون.

بيد أن الجانب الأكثر تعقيدًا وصعوبة، يتمثل بالشق السياسي في ملف تشكيل الحكومات المحلية، لأنه وإن خضع للغة الأرقام التي تمخضت عن الإجراءات الفنية البحتة بكلّ مراحلها، إلا أنه يخضع للكثير من الحسابات السياسية، التي تندرج تحت عناوين ومسميات المفاوضات والتنازلات والترضيات والصفقات والمساومات والاشتراطات بين الفرقاء من داخل المكون الواحد، وفيما بين الفرقاء من هذا المكون وذاك في المساحات المتداخلة.

ففيما يتعلق بالاطار التنسيقي الشيعي، خاضت القوى المكونة له الانتخابات المحلية الأخيرة، إما منفردة أو عبر تحالفات وائتلافات ثنائية أو محدودة، لذلك فإن كلّ طرف يفترض أن يتحدث ويطالب ويفاوض وفقًا لحجمه الانتخابي، وبما يعني أن الحكومات المحلية في معظم محافظات الجنوب والفرات الأوسط، سيكون محور تشكيلها وادارتها من قبل المتصدرين، وهما كلّ من تحالف نبني (هادي العامري والشيخ قيس الخزعلي وفالح الفيّاض)، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وبدرجة أقل تحالف قوى الدولة الوطنية (السيد عمار الحكيم وحيدر العبادي)، أي أن منصب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة سينحصر بين أصحاب المركزين الأول والثاني، في حين ستؤول مواقع نواب المحافظين ونواب رؤساء مجالس المحافظات، ورئاسات اللجان إلى القوى الأخرى. وهذا الأمر يتطلب مفاوضات ماراثونية مرهقة بين الكبار والصغار، وهي بدأت بالفعل منذ وقت مبكر، لكن حسم نتائج الانتخابات والمصادقة عليها يفترض أن يسرع وتيرة تلك المفاوضات، علمًا أن كلّ الترتيبات والتفاهمات لا بد أن تجري بين الزعامات في بغداد أولًا وأخيرًا.

وبخصوص المحافظات التي حازت القوائم التي يترأسها المحافظون، على أعلى الأصوات والمقاعد، مثل البصرة وواسط وكربلاء، فإنه وفق مخرجات العملية الانتخابية  سيحتفظون بمناصبهم التنفيذية العليا في محافظاتها، بيد أن ذلك يحتم عليهم التفاوض مع الكتل الكبيرة المنافسة، أو بتعبير أدق واوضح، مع الاطار التنسيقي، علمًا أن الأخير أعلن في وقت سابق، أن التوجّه العام يتمثل في تغيير كلّ المحافظين، وهي إشارة ضمنية إلى أنه يرفض الابقاء على أي محافظ حالي. وهذا يقتضي أن تكون هناك مساحة تفاوضية أخرى، غير المساحة الداخلية للاطار نفسه. لا بد أن تحسم أمر المحافظات الثلاث المشار اليها - البصرة وواسط وكربلاء - واذا لم يتمكّن الاطار من فرض رؤيته بالكامل، وكذلك المحافظين الفائزين، فإنه من الطبيعي جدًّا أن يقبل ويذعن الطرفان - أو أطراف القضية - للحلول الوسط بنسبة معينة. وفي كلّ الأحوال، وبصرف النظر عن لمن سيؤول المنصب التنفيذي الأول، فإن من يشغله سيكون مقيدًا ومكبلًا إلى حد كبير.

ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للعاصمة بغداد، والاختلاف هنا يكمن في أن المساحة التفاوضية سيكون طرفاها الإطار التنسيقي الشيعي، وحزب تقدم السني بزعامة رئيس البرلمان المخلوع قضائيًا محمد الحلبوسي، إذ إن مجمل المؤشرات تذهب إلى أن منصب محافظ بغداد سيذهب إلى الاطار، وتحديدًا إلى ائتلاف دولة القانون، وهو ما يستدعي تلقائيًا ذهاب منصب رئيس مجلس المحافظة إلى حزب تقدم باعتباره أحد المتصدرين انتخابيًا في العاصمة، في حين ستتوزع المواقع الأخرى بين قوى الإطار وبعض القوى السنية الأخرى.

ولن تبتعد أجواء المفاوضات حول حكومة بغداد المحلية، عن أجواء المفاوضات لحسم الأمور في محافظة ديالى، وإلى حد ما محافظة صلاح الدين، ارتباطًا بالتداخل المكوناتي فيها من جانب، وتعدد الفرقاء المتنافسين من المكون السني، من جانب آخر.         

أما في محافظة الأنبار، فإن التنافس والمساحة التفاوضية ستنحصر بين قوى المكون السني، علمًا إن حزب الحلبوسي نجح في الاحتفاظ بموقع الصدارة فيها، لكنّه لم يفلح في تحقيق نتائج جيدة بمحافظات صلاح الدين ونينوى وكركوك، في ظل وجود قوائم وكتل منافسة له بقوة، مثل قائمة محافظ نينوى السابق نجم الجبوري، وقائمة حزب الجماهير الوطنية برئاسة أحمد الجبوري في صلاح الدين، وقائمة الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي في كركوك.

وبما أنه لم يتمكّن أي طرف سياسي من حصد أكثر من نصف المقاعد في أي محافظة من المحافظات المشار اليها، وبما أن هناك تقاربًا في نتائج بعض الفرقاء، فإن عملية حسم الأمور قد تتطلب وقتًا طويلًا، وأغلب الظن أنها ستنتهي إلى توافقات هشة وتفاهمات فضفاضة، تكون مخرجاتها عبارة عن إدارات محلية ضعيفة تحكمها المساومات والاملاءات أكثر من أي شيء آخر، لا سيما في محافظة كركوك التي تمتاز بنسيجها الاجتماعي والسياسي المتنوع قوميًا وطائفيًا ودينيًا، بوجود المكونات العربية والكردية والتركمانية، وكذلك المسيحية.    

ولعل اعتماد ذات المعايير السابقة في تشكيل الحكومات المحلية والمواقع العليا المختلفة في المحافظات، سوف يفضي إلى اعادة إنتاج نفس المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، بما حفلت به من فساد إداري ومالي، وسوء إدارة وتخطيط، وتخبط وفوضى.

فضلًا عن ذلك، فإن الحكومات المحلية الجديدة، إذا لم تتحرك بنفس مسارات الحكومة الاتحادية في برامجها ومشاريعها وخططها الخدمية والتنموية، وبدلًا من ذلك، تستغرق في الصراع والتنافس الحزبي الضيق على المصالح والمكاسب والامتيازات الخاصة، فإنها تكون قد حكمت على نفسها مبكرًا بالفشل والإخفاق مرّة أخرى.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات