طوفان الأقصى

خاص العهد

اللحديون بعد سنوات التحرير: خيانةٌ لا شفاء منها
27/05/2024

اللحديون بعد سنوات التحرير: خيانةٌ لا شفاء منها

2400 عميل لبناني يعيش اليوم في الأراضي المحتلة. هربوا مُنكسرين يوم الـخامس والعشرين من أيار 2000. البحث عن أوضاعهم يقود إلى نتيجة بائنة: الخيانة لا تؤدي سوى إلى المهانة والانحطاط. بعضهم تهوّد وتخلّى عن مسيحيّته أو إسلامه، بعضهم تجنّد في صفوف الاحتلال أو أُفرغ في احتياطه، بعضهم يشحذ مساعدات ومعونات ليؤمّن خبز نهاره، وبعضهم أيضًا غرق حتّى الثمالة في جنسيّته ""الإسرائيلية"" ونذر نفسه من أجل الدفاع عن الكيان والتصدّي لمحاولات نزع "الشرعية" عنه كما يدّعي، وهناك الكثيرون يشكون إهمالهم الفاقع.


عام 2022 اعترف العدوّ بما قدّمه اللحديون له، أيْ بعد 22 سنة على تحرير حنوب لبنان واندحار الصهاينة وأعوانهم من جيش العميل أنطوان لحد. لعقديْن ونيّف أهمل أصواتهم، وشاءَ فجأة صرف نحو 160 ألف دولار (ثمن شقة سكنية) لكلّ عنصر حمل السلاح كتفًا إلى كتف مع الجنود الصهاينة إبّان فترة احتلال جنوب لبنان. حصل ذلك شرط التأكد من أن العنصر يسكن فعليًا في إحدى المُستوطنات. 400 عنصر في "جيش لحد" نالوا هذه المساعدة، لكن سياق حركتهم داخل الكيان تُبيّن كيف هرموا من أجل انتزاع ما يعتبرونه حقوقًا طبيعية مقابل "تضحياتهم"!

الانغماس في مجتمع الاحتلال هو عنوان وجود اللّحديين وعائلاتهم التي دائمًا يتعمّد أصحاب منطق "السلام" أن يفصلوها على اعتبار أن لا علاقة لهذه العائلات بما اقترفه رب العائلة. لا مكان لأيّ تمايز بين الأب العميل وابنه الذي نشأ على خطاه وتشرّب في الأراضي المحتلة معانيَ الخيانة ومهادنة عدو الأمة والإنسانية.

أسئلةٌ كثيرة واستفساراتٌ عديدة تُطرح عند الحديث عن جالية العملاء اللحديين المستوطنين لفلسطين. على أيّة مستوطنات يتوزّعون؟ وأيّة مهن يحترفون؟ والأهمّ في كلّ هذا هل استطاعوا الاندماج مع "الإسرائيليين"؟

 

 

اللحديون بعد سنوات التحرير: خيانةٌ لا شفاء منها

أحد مُقاتلي جيش لحد يتسلّم وسام الحرب من قبل رئيس أركان الاحتلال أفيف كوخافي عام 2023

 

أين يعيش اللحديون؟

في مستوطنات "كريات شمونة" و"معالوت ترشيحا" و"نهاريا" ومُدن طبريا وحيفا وصفد، يسكن اللحديون وذووهم منذ عام 2000. وصلوا و"عانوا" من أجل تنظيم أوضاعهم الحياتية. ظنوّا أنهم سيُحتضنون سريعًا، غير أن التعويل على العدوّ لم يُنجهم ولم يُسعفهم. أُهينوا طويلًا ليحصلوا على "شواكل" ضئيلة يتّكئون عليها ليشتروا بها بعض الحاجات. السواد الأعظم منهم عاشوا ذلك، رغم أن فئة قليلة اختارت التهوّد واعتناق كلّ معتقدات العدوّ دينيًا واجتماعيًا وسياسيًا وعسكريًا.

 

اللحديون بعد سنوات التحرير: خيانةٌ لا شفاء منها

رئيس ما يُسمّى "الجالية اللبنانية في "إسرائيل"" العميل نبيه أبو رافع
 
 

فداحة الخيانة وعاقبتُها

في مقابلة عام 2022، يقول رئيس ما يُسمّى "الجالية اللبنانية في "إسرائيل"" العميل نبيه أبو رافع: "لم نصل إلى الحلم الذي حلمنا به جميعنا". هذا الكلام يُعبّر جليًّا عن عاقبة كلّ من يُفضّل خيار الخزي والعار على خيار النضال وطرد المحتلّ.

في التاريخ الأقرب 2023، تتوقّف نقابة الأخبار اليهودية (Jewish News Syndicate) عند أوضاع اللحديين داخل الكيان. ترى النقابة أن الذين تحالفوا من اللبنانيين مع "إسرائيل" ظلّوا وحيدين وخائفين. تُقابل النقابة إدي (50 سنة)، لحدي قاتل في جنوب لبنان، وهو يعترف بفداحة الفرار والانتقال للعيش في كيان العدو، فيقول "سواء بقيتُ في "إسرائيل" أو انتقلتُ إلى الأميركتيْن، ما زلتُ غريبًا في أرضٍ أجنبية".

قتالٌ على "الحقوق"

التخبّط والمذلّة يطبعان معيشة اللحديين هناك. يقارب الكاتب الصهيوني في صحيفة "اسرائيل هيوم" كيرن دوتن ذلك في مقال نشره عام 2022، يرى فيه أن عناصر "جيش لبنان الجنوبي" هم "خارج دوائر النخبة، هم ضُعفاء عقب الصدمة"، ويُضيف "لقد كانوا يحتاجون إلى ردّ اعتبار، إلى القتال على الحقوق، الطرق على أبواب المؤسسة "الإسرائيلية"، عندما لا تعترف بهم وزارة الأمن (الحرب).. يوجد هنا غدرٌ للقيم العسكرية، بمعنى "أخوّة السلاح". وعند الهروب جنود الجيش "الإسرائيلي" اختفوا فجأة، فجّروا لهم القواعد والسلاح من أجل أن لا يقعوا بيد حزب الله، وأبقوهم عديمي القدرة على الدفاع".

قتالٌ على "الحقوق" هو عنوان مشقّة اللحديين. يُترجَم هذا من خلال أكثر من مقابلة وتحقيق صحافي عُرض على القنوات "الإسرائيلية" يتناول المسألة. موقع davar1 الصهيوني قابَل عام 2021 سامر شرف الدين، أحد مقاتلي "جيش لحد". سيلٌ من الشكاوى يُعدّدها فيقول: "خدمتُ عشر سنوات، ولا أتلقّى المساعدة. كنتُ في نفس المعسكر مع جيش "الدفاع الإسرائيلي"، تلقيتُ نفس الصاروخ من نفس العدو.. اليوم، كلّ شخص يتدبّر أموره بنفسه، كلّ شخص يعيش بمُفرده.. لم نطلب سيارة، بل مجرّد سقف فوق رؤوسنا. يوفّر لنا هذا هدوءًا نفسيًا وراحة".

قبل أن تمنح حكومة الاحتلال تعويضات متأخّرة 22 سنة لمُقاتلي "جيش لحد" وتُقرّر تدشين نُصبٍ تذكاري لهم وإعطاءهم أوسمةَ حرب وصولًا إلى إنشاء متحفٍ خاصٍ بهم وبمرحلة "عملية سلامة الجليل" (اجتياح واحتلال لبنان) في مستوطنة المطلة، تعالت أصواتهم من أجل النظر في مطالبهم، فكلّفت سلطات الاحتلال العميد في الاحتياط إيغال برسنر بالملفّ، وظلّ اللحديّون يتسوّلون حاجاتهم.

 

اللحديون بعد سنوات التحرير: خيانةٌ لا شفاء منها

إحدى تظاهرات عملاء لحد لمطالبة الاحتلال بمعونات ومساعدات عام 2021

ألْقَتْنا "إسرائيل" في الشارع!

بحسب القناة الثانية "الإسرائيلية" (2017)، أهملت سلطات الاحتلال ثُلث مُقاتلي "جيش لحد". فادي منصور، أحد هؤلاء، يصف هذا "التقصير" المُتعمّد بالقول: "كلهم أطلقوا وعودًا ووعودًا ووعودًا، لكن عندما بلّغنا بالفعل النقطة التي نحتاجهم فيها ألْقَتْنا "إسرائيل" في الشارع.. "نحن في "إسرائيل" منذ 17 سنة، لا أحد منّا في مكان عمل محترم. كلّ واحد منّا إمّا يعمل في مصنع، أو في البناء، أو في الترميم". ويتابع "أذهب إلى "الوسط العربي" فيقولون لي: أنت خائن، أذهب إلى "الوسط الإسرائيلي" فيقولون لي: أنت عربي.. لستُ آسفًا لأني في "إسرائيل"، لكنّ الحكومة بالفعل خيّبتنا تمامًا".

بدوره، يُصرّح كلود إبراهيم (مُقاتل في "جيش لحد") للقناة الثانية "انتحر أحدهم بسبب الوضع. الناس (اللحديون) بسبب كرامتهم سئموا من الطلب، سئموا من الكلام، وليس هناك من يطلبون منه".

الوزارات تتقاذف اللحديين

الى هذا الكلام، يُضاف أيضًا تقاذف المسؤوليات بين وزارات الاحتلال. هؤلاء متفرّقون إمّا في وزارة الحرب التي تساعد فقط 200 عائلة لحدية، وإمّا في ما يُسمّى وزارة "الاستيعاب" (المهاجرين)، أو وزارة الداخلية، أو وزارة المالية، أو ربّما وزارة الخدمات الدينية، على ما جاء في قناة "كان" عام 2018.

وفي الأصل، عَمَدَت سلطات الاحتلال إلى فصل اللحديّين بمجرد وصولهم إلى الأراضي المحتلة. عام 2001، قسّمتهم إلى مجموعتيْن:

 - الضبّاط من رتبة قائد سرية وما فوق ومن ساعد الاستخبارات "الإسرائيلية" (أمان) والشاباك (الأمن العام) وعددهم 200، حصلوا على رواتب وبيوت.

 - العائلات، وعددها 450، أُلحقت بمكتب "الاستيعاب" وحظيت بظروف تأهيل متدنية بلا مصدر رزق وبلا مأوى.

وبالفعل، بحسب القناة الأولى "الإسرائيلية" أهملت "إسرائيل" 450 عائلة لحدية تعيش في منازل مُستأجرة وتدفع أموًالا طائلة وتحصل على مساعدة صغيرة لا تغطّي حتّى جزءًا من مصاريفها، بالكاد تغطّي جزءًا من إيجار الشقّة، وهؤلاء الأشخاص يتحتّم عليهم مواجهة "مصاعب الحياة" يوميًا، على ما أوردت القناة.

 

اللحديون بعد سنوات التحرير: خيانةٌ لا شفاء منها

حفل تكريم مُقاتلي جيش لحد في متحف "هاشومير" في المنطقة الشمالية لفلسطين المحتلة عام 2023

الاندماج المفقود

المُعضلة الأبرز في معيشة اللحديين داخل الكيان كانت التأقلُم. لا انخراط، لا تقبّل، لا انسجام مع مُجتمع اليهود. عام 2015، كان هناك حديثٌ علنيّ عن هذه "المشكلة". يقول اللحدي ظاهر نهرا: "لا يمكن أن تقول إننا تأقلمنا جيدًا، صحيح أننا نعيش بين "الإسرائيليين" واليهود وأولادنا يتعلّمون معهم ونعيش في المنطقة نفسها، ولكننا ما زلنا نُحافظ على أساسنا، على عاداتنا وأعيادنا وعلى قداديسنا، كأننا ما زلنا نعيش في لبنان.. كنا "جيشًا" وجسمًا واحدًا، ليس من المُمكن أن يتركوننا هكذا مثل "دبّر راسك كيفما كان"".

وعن موانع الانخراط في مُجتمع العدوّ وصراع الهويّتيْن، تتحدّث اللحدية مرلين أبو رعد فتُشير إلى أن "هناك أولادًا أُجبروا في وقت من الأوقات على أن يضعوا النجمة وأن ينزعوا الصليب الذي يضعونه في أعناقهم، حتّى يكونوا مقبولين من الأولاد اليهود، وهذا نوع من طمس للهوية، هناك أولاد مرّوا في ظروف صعبة جدًا داخل مدارسهم، وهم بالمناسبة انتقلوا من مدرسة إلى غيرها ليعرفوا أين سيتأقلمون، هناك مشاكل كثيرة من هذه الأمور"، وتُردف "أنا لبنانية "إسرائيلية"، قادرة على حمل جنسيتيْن".

من جانبهم، اختار اللحديون عوفاديا عوفِد وزوجته راحيل وجيمي أبو شلهوب أن يتخلّوا عن الديانة المسيحية وأن يُسارعوا إلى التهوّد ضمانًا لـ"سلامتهم وأمنهم". القناة الأولى "الإسرائيلية" وصفت فعلتهم عام 2014 بجُملة مُختصرة "بعد أن باعوا وطنهم.. عملاء "إسرائيل" يبيعون دينهم".

أمّا اللحدية غراسيا حاصباني التي تنشط في قطاع التعليم في "كريات شمونة" فتعتب على سلطات الاحتلال لأنها لم تُخصّص شيئًا في مناهجها عن "جيش لبنان الجنوبي"، وتقول "لم يذكروا أبدًا "جيش لبنان الجنوبي" في أيّ درس تاريخي. دائمًا أنا أُسمّي هذا "تاريخًا مخفيًّا" لا يجري الحديث عنه في "إسرائيل"، ولكنّنا جزء من تاريخ "إسرائيل"".

القناة 12 "الإسرائيلية" أوردت تقريرًا مُفصًلا عن هذه القضية عام 2020، تحدّثت فيه عن "الحياة الصعبة التي يعيشها جنود جيش لحد في "إسرائيل" جرّاء عدم تقبّل الشعب اليهودي لهم"، وأشارت إلى أن "أبناء الجيل الثاني والثالث يجدون صعوبة بالاندماج، هم ممزّقون بين عالَمَيْن وهويَّتَيْن".


وينقل التقرير عن اللحدي جورج حدّاد المُقيم في طبريا: "في نهاية المطاف، لا يعرف الناس ما هو "جيش لبنان الجنوبي". يقولون هذا عربيّ.. أينما تذهب وتهرب، ستبقى في عيون العرب الموجودين هنا خائنًا، وبعيون "الإسرائيليين" عربيًا".

كذلك ينقل التقرير عن اللحدي منير يونس "الوضع صعبٌ عليّ. أنا أنظر إلى عيون أطفالي، لا أعرف ماذا أقول لهم. أقول لهم: أنا من لبنان، كنّا هكذا، وكنّا هكذا"، فيما يقول اللحدي ناصيف حداد الذي يعمل عنصر أمن في فندق: "لم أنجح حتّى الآن في استعادة عافيتي".

موتى الخونة إلى "مقابر الحمير"!

ومن بين مُعاناة اللحديين، تبرز إشكالية دفن موتى الخونة. وفق قناة "كان" عام 2018، لا وجود لمقابر تخصّ اللحديين في الأراضي المحتلة. تذكر في هذا السياق أن العشرات من الذين "عاشوا" في "إسرائيل" توفوا، وفي كلّ هذه الأحداث، نُقلت جثثهم إلى لبنان، غير أنه لا يمكن القول إنها نُقلت للدفن، بل إلى "مقابر الحمير"، في إشارة إلى الرفض العارم لوجودهم حتّى موتى في لبنان بعد كلّ هذه السنوات.

ويُصرّح رئيس بلدية مستوطنة "معالوت ترشيحا": ليست وظيفتي بأن ألتزم بتخصيص أرضٍ تكون مقبرة لعناصر "جيش لبنان الجنوبي"، "الدولة" هي من عليها إيجاد الحلول".

الخيانة حتّى الثمالة

صحيح أن أغلب اللحديين يمرّون بمشاكل الاندماج والمعيشية الصعبة، غير أن نماذج لحدية أخرى تُبيّن حجمًا متقدّمًا من الغرق في وحل الخيانة. منهم جونتان الخوري، ابن ضابط لحدي قاتل إلى جانب "إسرائيل" في جنوب لبنان، يُدير اليوم في حيفا ما يُسمّى مشروع الأقليات في منظّمة "احتياطيون في الجبهة"، ويُعرّف عن نفسه بأنه ناشط ضدّ نزع الشرعية ضدّ "إسرائيل" في حرم كلّ الجامعات في الولايات المتحدة وفي أوروبا.

وكذلك ريبيكا إبراهيم التي وُلدت في الأراضي المحتلة بعد 3 سنوات من تحرير الجنوب. اختارت ريبيكا العمل في مجال "الخدمة القوميّة"، وهي ناشطة في مجال الإعلام حول مساهمة "جيش لبنان الجنوبي في أمن "إسرائيل"".

أمّا جورج ديبة فهو أول متحدّر من عائلة لحدية يلعب في أندية الدرجة الأولى لكرة القدم داخل كيان العدو، بعد أن وقّع مع فريق "هبوعل تل أبيب" لكي يكون حارس مرمى. يصف هذا الانضمام بالقول "شعرتُ من اللحظة الأولى أنني إسرائيلي".

لائحةُ العار اللحدي طويلة. أكثر من 2000 عميل مُستأنسون في حياتهم مع المحتلّ. لا مكان بينهم لبريء من التهمة. ظروف أغلبهم ليست ممتازة بعد الاطلاع عليها، لكنّهم حتمًا لم يُبادروا يومًا إلى إعلان ندمهم أو التوقّف عن التحالف وخدمة "إسرائيل".

العملاء

إقرأ المزيد في: خاص العهد